تشير تصريحات الرئيس التركي رجب طيب إردوغان المتكررة خلال عامي 2024 و2025 إلى تبدّل جوهري في العقيدة الدفاعية التركية، إذ قال: «قررنا تعزيز مخزوننا من الصواريخ بمدى 800 كلم فأكثر، وتسريع برنامج تطوير صاروخ بمدى 2000 كيلومتر فأكثر». وبحسب المعلومات، فإنّ المدى المستهدف للصاروخ يشمل تل أبيب، القدس، إيلات، أثينا، بلغاريا، رومانيا، هنغاريا، القاهرة، عمّان، الرياض، طهران، وأجزاء من روسيا، إضافة إلى قواعد «الناتو» في إيطاليا وكريت.
مسار تصاعدي في الصناعة الصاروخية
منذ إطلاق برنامج «يلدريم» (J-600T)، تسعى أنقرة إلى تطوير قدراتها الصاروخية محلياً. فقد بدأ البرنامج بصاروخ بمدى 150 كيلومتراً، ليصل في نسخته الثانية إلى 300 كلم، وسط تقارير عن نسخ تتخطى 800 كلم.
كما طوّرت تركيا صاروخ «بورا» القصير المدى، بمدى 280 كلم، ثم صاروخ «تايفون» الذي اختبر بمدى 561 كلم في 2022، والذي قال إردوغان عنه: «لا نجد 560 كلم كافية… سنصل إلى 1000 كلم». أما النسخة الجديدة من «تايفون بلوك–4»، فتُوصف بأنها نواة صواريخ الجيل التالي.
وفي أواخر تشرين الأول الماضي، أعلنت هيئة الصناعات الدفاعية التركية، نجاح تجربة جديدة ضمن برنامج تطوير الصواريخ الباليستية المحلية، وقال رئيس الهيئة، خلوق غورغون، إن التجربة أُجريت بواسطة شركة «روكيتسان»، واصفاً اليوم بـ«الجميل والتجربة الناجحة الأخرى»، وأضاف: «تحضير صامت... ولحظة واحدة... وتوقيع يُخطّ في السماء»، مشيراً إلى أن مدى الصواريخ يتزايد تدريجياً مع تحسّن دقة الإصابة.
وأعرب التركي عن شكره لشركة «روكيتسان» ولكل من ساهم في ما وصفه بـ«الإنجاز».
«طيفون بلوك 4»... أول صاروخ فرط صوتي تركي
وكانت شركة «روكيتسان» قد كشفت، في تموز الماضي، عن الصاروخ «طيفون بلوك 4» خلال معرض الصناعات الدفاعية الدولي «آيدف 2025» في إسطنبول. ويُعدّ الصاروخ أول نموذج محلي لصاروخ فرط صوتي، ويبلغ طوله 10 أمتار ووزنه نحو 7200 كيلوغرام.
مشروع «جنك»... طموح استراتيجي
تسعى تركيا من خلال مشروع «جنك» إلى إنتاج صاروخ باليستي متوسط المدى (MRBM) بمدى يتراوح بين 2000 و2500 كلم، يمكن إطلاقه من البر والبحر والجو.
ويعتمد الصاروخ على وقود صلب متقدّم، وسرعات تفوق 5 ماخ، ويحمل رأساً حربياً يراوح وزنه بين 480 و600 كلغ. وتُقدّر كلفة البرنامج بـ500 مليون دولار، في وقت تخطّت فيه صادرات الصناعات الدفاعية التركية 6 مليارات دولار عام 2025. وقال وزير الصناعة التركي، محمد فاتح كاتشير، إن «تركيا لديها الآن برنامج صاروخي بمدى 2000 كيلومتر... نحن في موقع يغيّر قواعد اللعبة».
يثير هذا التطوّر قلقاً متزايداً في كيان الاحتلال، الذي يرى فيه المحلل العسكري عاموس هاريل «تغييراً دراماتيكياً في ميزان القوى». كذلك، يهدّد المشروع بتوسيع الفجوة داخل «الناتو»، حيث تطوّر تركيا عضوة الحلف الثانية من حيث حجم الجيش، قدرات صاروخية خارج المظلة الأميركية وخارج ضوابط التصدير الأوروبية، في ظل توتر دائم مع اليونان.
من جهتها، تراقب طهران المشروع من زاوية التوازن الاستراتيجي، إذ تتقارب مداه مع صواريخ «سجّيل» و«خرمشهر» الإيرانية (2000 كلم).
كاتشير: تركيا لديها الآن برنامج صاروخي بمدى 2000 كيلومتر
تسعى تركيا إلى تقليص اعتمادها الدفاعي على الخارج إلى أقل من 10% بحلول عام 2030، عبر تعزيز دور شركات مثل «روكيتسان»، و«أسيلسان»، و«تاي». كما تهدف إلى امتلاك قدرة ردع مستقلة في مناطق التوتر، من شرق المتوسط إلى البحر الأسود والشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويؤكد إردوغان أن «استثمارات الدفاع ليست استعداداً للحرب، بل لضمان السلام والسيادة والمستقبل».
سباق المديات
مع اكتمال تطوير صاروخ «جنك»، ستكون أنقرة أول دولة في «الناتو» – خارج القوى النووية تمتلك صاروخاً متوسط المدى بقدرات وطنية بالكامل. وتصبح بذلك قادرة على شنّ ضربات تصل إلى ثلاث قارات، ما يفتح باباً جديداً في سباق التسلّح الباليستي في الإقليم، ويكرّس تركيا كقوة استراتيجية عابرة للقارات.
31 دولة تملك صواريخ باليستية
تُظهر بيانات حديثة أنّ 31 دولة، من بينها الولايات المتحدة وعدد من حلفائها، تمتلك حالياً منظومات صواريخ باليستية قيد التشغيل، فيما تسع دول فقط تُعرف أو يُشتبه في امتلاكها أسلحة نووية، من ضمنها إيران التي طوّرت صواريخ تتجاوز مداها 1000 كيلومتر.
فيما تشمل قائمة الدول النووية كلاً من الصين، روسيا، الولايات المتحدة، فرنسا، المملكة المتحدة، الهند، باكستان، كوريا الشمالية، والكيان الإسرائيلي. وقد طوّرت هذه الدول، إضافة إلى إيران، صواريخ باليستية يصل مداها إلى أكثر من 1000 كلم.
ويُشار إلى أنّ الصين وروسيا هما الدولتان الوحيدتان خارج حلفاء واشنطن القادرتان على إطلاق صواريخ من أراضيهما يمكن أن تضرب البرّ الرئيسي للولايات المتحدة. وتُركّز هذه البيانات على الصواريخ الباليستية دون التطرّق إلى صواريخ «كروز».
تصنيفات الصواريخ الباليستية
تعتمد الصواريخ الباليستية في مرحلتها الأولى على الدفع الصاروخي، قبل أن تدخل في مسار سقوط حرّ نحو أهدافها. ويتم تصنيفها استناداً إلى أقصى مدى يمكن أن تصل إليه، وفق العوامل التقنية المتعلقة بالمحرّك ووزن الرأس الحربي.
وتتوزّع الصواريخ إلى أربع فئات رئيسية:
-صواريخ قصيرة المدى: أقل من 1000 كلم
-صواريخ متوسطة المدى: بين 1000 و3000 كلم
-صواريخ متوسطة–بعيدة المدى: بين 3000 و5500 كلم
-صواريخ عابرة للقارات (ICBM): يتجاوز مداها 5500 كلم
في حين تُعرف الفئات القصيرة والمتوسطة أيضاً بـ«الصواريخ الباليستية المسرحية»، تُصنّف الصواريخ الأطول مدى ضمن الفئة «الاستراتيجية».
صواريخ الوقود السائل والصلب
يُصنَّف الصاروخ أيضاً بحسب نوع الوقود المستخدم فيه: صلب أو سائل. ويتميّز الوقود الصلب بسهولة التشغيل والجهوزية الدائمة، إذ تكون المواد الدافعة والمؤكسدة ممزوجة داخل الصاروخ.
أما الصواريخ ذات الوقود السائل فتتطلّب تحضيرات تقنية أكبر قبل الإطلاق، نظراً إلى وجوب فصل مكونات الوقود حتى اللحظة الأخيرة.


